سقوط القدس بعد 673 عامًا من الحكم الإسلامي

سقوط القدس بعد 673 عامًا من الحكم الإسلامي

كيف أضاع العثمانيون القدس وفتحوا الطريق لقيام إسرائيل؟

بقلم: عمرو صابح
في صباح 9 ديسمبر 1917 كانت القدس على موعد مع واحدة من أكثر لحظات تاريخها الحديث مأساوية ودرامية. فقد التقطت في ذلك اليوم صورة نادرة تظهر وفدًا من وجهاء القدس برفقة ضباط وجنود من الجيش العثماني وهم يرفعون الراية البيضاء ويسلّمون مفاتيح المدينة إلى رقيبين من الفرقة البريطانية 60 التي كانت ضمن قوات الجنرال شين وتعمل تحت إمرة القائد العام للقوات البريطانية في فلسطين والشرق الأدنى، الجنرال إدموند ألنبي.

كان هذا المشهد هو الإعلان العملي عن سقوط القدس وفلسطين في قبضـة الجيش البريطاني، بعد سلسلة من الهزائم التي لحقت بالقوات العثمانية في جبهة الشام. وقد مثّل هذا السقوط بداية مرحلة جديدة في تاريخ المنطقة، إذ كانت تلك الهزيمة هي اللبنة الأولى في المشروع الذي انتهى بقيام الدولة العبرية على الأرض الفلسطينية لاحقًا، بعدما فُتح الباب واسعًا أمام تنفيذ وعد بلفور تحت مظلة الاحتلال البريطاني.

وبعد يومين فقط، في 11 ديسمبر 1917، دخل الجنرال ألنبي القدس دخول الفاتحين، ولكن راجلًا لا راكبًا، في خطوة حرص من خلالها على إظهار احترامٍ رمزي للمدينة المقدسة. دخلها ألنبي ليصبح أول مسيحي يحكمها منذ أكثر من ستة قرون ونصف من الحكم الإسلامي المتواصل، تعاقب خلالها على فلسطين حكام الأيوبيين ثم المماليك ثم العثمانيين.

وقف ألنبي أمام بوابة القدس، وإلى جواره عشرات الصحفيين والمراسلين، وقال عبارته الشهيرة التي دوّنها المؤرخون باعتبارها إعلانًا بريطانيًا رسميًا بانتهاء عهد طويل من الصراع:

“الآن انتهت الحروب الصليبية.”


لم تكن الجملة مجرد تصريح عابر، بل كانت اعترافًا صريحًا بأن بريطانيا اعتبرت دخول القدس امتدادًا لروح الحملة الصليبية ولكن بوسائل القرن العشرين، وأن سقوط المدينة لم يكن مجرد انتصار عسكري بل تتويجًا لنزعة استعمارية أوروبية طالما حلمت بالسيطرة على قلب الشرق.

وهكذا، بعد 673 عامًا من الحكم الإسلامي المتواصل، سقطت القدس لأن الدولة العثمانية وصلت إلى لحظة عجز كامل، ففتحت الباب واسعًا أمام الاحتلال البريطاني ليعيد رسم خرائط المنطقة كما يشاء، ويضع الأسس العملية لمأساة فلسطين المعاصرة. كان الدخول البريطاني للقدس بداية انحدارٍ طويل انتهى باقتلاع شعبٍ كامل من أرضه، وكل ذلك بدأ من تلك اللحظة التي ضاعت فيها المدينة المقدسة من يدٍ لم تعد قادرة على حمايتها.

Scroll to Top