كتب : عمرو صابح
من محاولة هدم الأهرامات إلى إنقاذ آثار النوبة | قصة محمد علي وعبد الناصر مع تراث مصر
بين محمد علي باشا الذي كاد أن يهدم أهرامات الجيزة لبناء القناطر، وجمال عبد الناصر الذي أنقذ معابد النوبة من الغرق، تمتد حكاية مصر مع تراثها بين من باع التاريخ ومن حماه. هذا المقال يستعرض تفاصيل مشروع إنقاذ آثار النوبة، وكيف تحولت من أزمة بسبب السد العالي إلى ملحمة إنسانية بقيادة عبد الناصر ومنظمة اليونسكو.
الذين باعوا الماضي والذين أنقذوه
يسهل على الجهلاء بالتاريخ أن يهاجموا جمال عبد الناصر، الرجل الذي انتشل أعظم آثار مصر من الغرق، بينما يصمتون عن أولئك الذين باعوا مجدها قطعةً قطعة، وأهدوا رموزها الخالدة إلى عواصم الغرب كأنها تذكارات من سوق سياحي رخيص.
عبد الناصر بين السد العالي وآثار النوبة
واجه جمال عبد الناصر أزمة ضخمة حين قرر بناء السد العالي، إذ كانت مياه النيل ستبتلع منطقة النوبة بأكملها — من معابد أبو سمبل وفيلة إلى كلابشة وجرف حسين — وهي آثار مهددة بالغرق منذ إنشاء خزان أسوان عام 1902، دون أن يتحرك أحد من حكام أسرة محمد علي لإنقاذها.
لكن عبد الناصر رفض أن يترك تاريخ مصر يغرق، ورفض عرضًا أمريكيًا بشراء كل آثار النوبة ونقلها إلى الخارج، واختار أن يُنقذها على أرضها.
ثروت عكاشة.. مهندس حملة إنقاذ آثار النوبة
لعب الدكتور ثروت عكاشة، وزير الثقافة في عهد عبد الناصر، دورًا محوريًا في تبنّي مشروع إنقاذ آثار النوبة، ودعا المجتمع الدولي عبر منظمة اليونسكو للمشاركة في إنقاذ المعابد المهددة بالغرق. بفضل رؤيته، أصبحت الحملة مثالًا عالميًا للتعاون الثقافي بين الدول.
علماء أنقذوا التاريخ
ساهم أربعة من أبرز علماء الآثار المصريين في حملة إنقاذ آثار النوبة: سليم حسن، أحمد بدوي، أحمد فخري، وعبد المنعم أبو بكر. وضع هؤلاء العلماء الأسس العلمية والعملية لإنقاذ المعابد، وساهموا في توثيق ونقل الآثار الضخمة بطرق آمنة.
حملة الإنقاذ: ملحمة اليونسكو في القرن العشرين
بدأت الحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة سنة 1960 تحت رعاية منظمة اليونسكو، وكانت أضخم مشروع أثري في القرن العشرين. تم تفكيك معابد أبو سمبل وإعادة تركيبها على مرتفع صخري جديد، في عملية هندسية مذهلة بلغت تكلفتها نحو 80 مليون دولار. دفعت مصر الثلث، فيما تكفلت الدول المشاركة بالباقي.
أهم المعابد التي تم إنقاذها
- معبدا أبو سمبل الكبير والصغير
- معبد فيلة (إيزيس)
- معبد كلابشة
- معبد بيت الوالي
- معبد جرف حسين
- معابد عمدا والدكة والمحرقة والدر
مشروع محمد علي لهدم الأهرامات
في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، أصدر محمد علي باشا أوامره بدراسة إمكانية هدم أهرامات الجيزة لاستخدام أحجارها في بناء القناطر الخيرية. بدأ المهندس الفرنسي “ليـبـريه” التجربة فعلاً، لكن المهندس “لينان دي بلفون” أقنعه بالتراجع بعد أن اكتشف أن التكلفة باهظة. هكذا كادت مصر تفقد رموزها الأبدية في لحظة عبث بالتاريخ.
المسلات: رموز الفراعنة في ميادين أوروبا
مسلة الأقصر في باريس
أهداها محمد علي لفرنسا عام 1829، ونُصبت في ساحة الكونكورد عام 1836. يبلغ ارتفاعها 23 مترًا وتزن أكثر من 200 طن.
مسلة كليوباترا في لندن
أهداها محمد علي لبريطانيا عام 1819، ونُقلت في 1878 لتُقام على ضفاف نهر التايمز.
مسلة نيويورك
أهداها الخديوي إسماعيل لأمريكا عام 1879، ونُصبت في سنترال بارك سنة 1881.
بيع التماثيل الكبرى إلى روسيا
باع محمد علي تمثالين ضخمين من الجرانيت الوردي من معبد سيرابيوم بالإسكندرية إلى القيصر الروسي نيقولا الأول عام 1832 مقابل 64 ألف روبل، وهما اليوم قائمان على ضفاف نهر نيفا في سانت بطرسبرغ.
من محاولة هدم الأهرامات إلى إنقاذ آثار النوبة | قصة محمد علي وعبد الناصر مع تراث مصر
منذ 1805 حتى 1952، كانت آثار مصر تُبدّد كهدايا وصفقات سياسية. حتى قامت ثورة 23 يوليو بقيادة عبد الناصر، فأعادت تعريفها كتراث وطني لا يُباع ولا يُهدى. لقد كانت حملة إنقاذ آثار النوبة برهانًا على أن مصر تحمي تاريخها كما تبني مستقبلها.
“الآثار المصرية لا تُباع، بل تُنقَذ.” — جمال عبد الناصر
المراجع
- ثروت عكاشة – مذكراتي في السياسة والثقافة
- سليم حسن – موسوعة مصر القديمة
- محسن محمد – سرقة ملك مصر
- UNESCO – The Rescue of Nubian Monuments and Sites (1982)

