تتناول هذه المقالة العلاقات المصرية الجزائرية بعد حرب 1967 كما رواها الرئيس جمال عبد الناصر في تسجيلات نادرة…
تملك قناة Nasser TV ما يمكن وصفه بأنه «التاريخ بلسان صُنّاعه». فهي لا تنقل روايات مرسلة أو حكايات النميمة وجلسات المصاطب، بل تنشر بالصوت والصورة ما قاله الرئيس جمال عبد الناصر بنفسه، في جلساته المغلقة واجتماعاته الرسمية ولقاءاته مع ملوك ورؤساء العالم.
ومن بين أهم هذه التسجيلات، اللقاء الذي جمع عبد الناصر بالمبعوثين المصريين في 16 مايو 1970 — وهو لقاء بُثّ على التليفزيون المصري آنذاك — وفيه تحدّث عبد الناصر بصراحة عن طبيعة العلاقات المصرية الجزائرية بعد حرب يونيو 1967. كما بثّت القناة تسجيلات صوتية أخرى للرئيس عبد الناصر مع الزعيم الليبي معمر القذافي والرئيس الموريتاني المختار ولد داده، تناول فيها حقيقة العلاقة بين القاهرة والجزائر من عام 1967 حتى رحيله في 28 سبتمبر 1970، وكشفت ما كان يدور خلف الكواليس في تلك المرحلة الدقيقة.
شهادة عبد الناصر
قال عبد الناصر بوضوح إنّ الجزائر لم تساعد مصر بشيء، وإنّ ما أرسلته من طائرات تم تعويضه من الاتحاد السوفيتي، كما رفضت الجزائر تقديم أي دعم مادي، متذرّعة بقبول مصر للقرار رقم 242 في نوفمبر 1967 لتبرير موقفها السلبي.
وأوضح أنّ الجزائر في عهد هواري بومدين كانت قلقة من علاقاته الوطيدة بالقذافي، ورأت في تلك العلاقة خطراً يقرّب عبد الناصر من حدودها.
وأشار عبد الناصر إلى أنّ بومدين رفض تقسيط ثمن المواد البترولية التي تستوردها مصر من الجزائر، رغم ظروف حرب الاستنزاف، ورغم أن مصر دعمت الجزائر مادياً وساهمت في مساندتها خلال حرب الرمال ضد المغرب، مؤكداً شعوره بخيبة أمل كبيرة من هذا الموقف.
وكشف عبد الناصر أنّ الجزائر بالتعاون مع حزب البعث العراقي دبرت محاولة انقلاب ضد القذافي، لأن بومدين كان يرى أنّ سياسة القذافي «جلبت عبد الناصر إلى حدود الجزائر»، لكن المحاولة فشلت بفضل وجود القوات المصرية في ليبيا.
وفي الشهور الأخيرة من حياته، تحدّث عبد الناصر أيضاً عن مزايدة بومدين على مصر بعد قبول القاهرة مبادرة روجرز في يوليو 1970، وقال ساخرًا في إحدى جلساته:
«قاعدين على بعد 4000 كيلومتر وبيزايدوا علينا»
في إشارة إلى انتقادات بومدين وبعض القادة العرب الذين هاجموا الموقف المصري وهم بعيدون عن خطوط النار.
رأي الرئيس عبد الناصر في بومدين وبوتفليقة
ورغم كل ذلك، قال عبد الناصر إنّه يعتبر بومدين «أفضل من في المجموعة الحاكمة بالجزائر»، على الرغم من خلافاته معه، بينما كان يرى أنّ عبد العزيز بوتفليقة رجل فرنسا، وأنه لا يثق في نواياه أو توجهاته.
وأوضح أن بوتفليقة عمل على تحريك بعض القوى الأوروبية — وفي مقدمتها فرنسا وألمانيا وإيطاليا — لتغيير بوصلة مصالحها الاقتصادية في المنطقة، وسعى إلى إقناع هذه الدول بتحويل جزء من المنح والمساعدات والاستثمارات التي كانت تُوجَّه إلى مصر نحو الجزائر، في محاولة لإضعاف موقع القاهرة الإقليمي، ووضعها تحت ضغط اقتصادي غير مباشر عبر خلق انطباع لدى العواصم الأوروبية بأن الجزائر أكثر استقرارًا وجدوى كشريك استراتيجي.
وأضاف عبد الناصر:
«بومدين عاوز يتحدث باسم الأمة العربية وعاوز الجزائر تلعب دور مصر. وأنا عمري ما قولت إنّي بتكلم باسم الأمة العربية، لأن الكلام باسم الأمة العربية مسؤولية كبيرة».
كما أشار إلى أن بومدين كان يحمل حساسيات شخصية تجاهه بسبب علاقته التاريخية بأحمد بن بيلا، وأن تلك الحساسيات تسيطر على تصرفات بومدين تجاه مصر.
وأكد عبد الناصر في أحاديثه أنّ مصر كان هدفها الوحيد دعم استقلال الجزائر وعروبتها ووحدتها، دون انتظار مقابل أو مكافأة، وأضاف أن الجزائر تسعى لوراثة الدور المصري في أفريقيا والعالم العربي.
شهادة الفريق أول محمد فوزي
ولم تقتصر الشهادات على الرئيس عبد الناصر وحده، فقد بثّت قناة Nasser TV أيضاً تسجيلات صوتية للفريق أول محمد فوزي — وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة المصرية في ذلك الوقت — يؤكد فيها نفس ما قاله عبد الناصر، موضحاً أن الجزائر لم تشارك عسكرياً في حرب 1967 ولا في حرب الاستنزاف، وأنها كانت ترسل نحو ألفي جندي يتدربون ثم يغادرون دون أي دور قتالي فعلي، وأنه طلب من الرئيس عبد الناصر التوقف عن استقبال القوات الجزائرية لأنه لا داعي لوجودها.
الخلاصة
بعد شهادات القائد الأعلى للقوات المسلحة الرئيس جمال عبد الناصر ووزير الحربية الفريق أول محمد فوزي حول العلاقات المصرية الجزائرية في تلك الفترة، لم يعد هناك أي مجال للجدل أو التأويل، فهذه الشهادات تدحض كل الكلام أو الاجتهادات الأخرى، وتضع النقاط على الحروف بشكل قاطع ونهائي.

