من خُطط التنمية إلى حائط الصواريخ

من خُطط التنمية إلى حائط الصواريخ

قراءة في اقتصاد مصر قبل وبعد 1967

بقلم: عمــرو صـابح

ماذا تقول الأرقام عن اقتصاد مصر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر؟

في المجال الصناعي ،

تم إنشاء المجلس الدائم لتنمية الإنتاج القومي في سبتمبر 1952،

وأصدر خطة الاستثمارات العامة في يوليو 1953 — خطة طموحة لأربع سنوات —

بدأت الدولة بموجبها في استصلاح الأراضي الزراعية ،

وإنشاء مشروعات الصناعات الثقيلة مثل:

الحديد والصلب

شركة الأسمدة «كيما»

مصانع إطارات السيارات

مصانع عربات السكك الحديدية «سيماف»

مصانع الكابلات الكهربائية

وبعد بناء السد العالي العظيم ،

تم مد خطوط الكهرباء من أسوان إلى الإسكندرية،

وبُنيت المناجم في أسوان والواحات البحرية،

وتم تمويل معظم هذه المشروعات ذاتيًا دون ديون خارجية .

قرارات السيادة الاقتصادية

في 26 يوليو 1956، أمّم عبد الناصر شركة قناة السويس وردّها إلى مصر.

وعقب فشل العدوان الثلاثي، تم تمصير وتأميم الأموال البريطانية والفرنسية في البلاد.

وفي عام 1957، أُنشئت المؤسسة الاقتصادية المصرية،

النواة الأولى للقطاع العام، وآلت إليها كل المؤسسات الأجنبية الممصّرة.

وفي 13 فبراير 1960، أمّم عبد الناصر بنك مصر

وكل الشركات الصناعية التابعة له، بعد أن سيطرت عليها الاحتكارات الأجنبية،

فاستردها عبد الناصر لصالح الوطن .

القرارات الاشتراكية والتخطيط الاقتصادي

في يوليو 1961، صدرت القرارات الاشتراكية،

فاتجه الاقتصاد نحو التخطيط المركزي بقيادة الدولة.

وحققت مصر بين عامي 1957–1967 معدل نمو سنوي بلغ 6.7%،

وهو رقم ورد في تقرير البنك الدولي رقم (870-أ) الصادر في 5 يناير 1976.

هذا يعني أن مصر في عشر سنوات حققت أربعة أضعاف ما تحقق في الأربعين سنة السابقة،

وكانت بذلك أسرع دولة نامية نموًا في تلك الحقبة (بينما لم تتجاوز معظم الدول 2.5%).

الصناعة والتكنولوجيا

بدأت مصر مع الهند ويوغوسلافيا مشروعًا طموحًا لتصنيع:

الطائرات – الصواريخ – المحركات النفاثة – الأسلحة.

وبحلول عام 1967 كانت مصر متفوقة على الهند في صناعة الطائرات،

وصُنعت الطائرة النفاثة القاهرة 300،

كما صُنعت أول صاروخين مصريين بمساعدة علماء ألمان،

لكن عُيوب التوجيه حالت دون استكمال المشروع.

في عام 1966، كان الفارق بين البرنامج النووي المصري ونظيره الإسرائيلي

سنة ونصف فقط لصالح إسرائيل،

وكانت مصر قريبة من تحقيق توازن قوى نووي بحلول 1971،

لكن بعد 1973 أوقف الرئيس السادات هذه البرامج بالكامل.

الخطة الخمسية الأولى (1960–1965)

معدل النمو الاقتصادي: 6.7% سنويًا

معدل النمو السكاني: 2.8% فقط

الإنتاج الصناعي: ارتفع من 314 مليون جنيه (1952) إلى 1.14 مليار (1965)

نسبة الزيادة: 262%

نصيب الفرد من الدخل القومي: ارتفع 28%

القوة العاملة: من 6 ملايين (1960) إلى 7.3 ملايين (1966)

وفي عام 1965، بلغ الناتج المحلي الإجمالي المصري 5.1 مليار دولار ،

في حين كان:

السعودية = 2.3 مليار

تايلاند = 4.39 مليار

إندونيسيا = 3.84 مليار

ماليزيا = 3.13 مليار

كوريا الجنوبية = 3.0 مليار

سنغافورة = 0.97 مليار

أي أن مصر كانت في مقدمة الدول النامية اقتصاديًا آنذاك.

ما بعد النكسة: اقتصاد يتحدى الهزيمة

في 5 يونيو 1967 جاءت «المعركة الأمريكية بالأداء الإسرائيلي» كما وصفها ديجول.

لكن مصر لم تنهَر اقتصاديًا، بل واصلت البناء والإنتاج .

أكملت بناء السد العالي (اكتمل عام 1970).

أنشأت مجمع الألمنيوم في نجع حمادي بتكلفة 3 مليار جنيه.

حافظت على معدل نمو 6.7% وزاد إلى 8% عامي 1969–1970.

حققت مصر عام 1969 فائضًا تجاريًا لأول وآخر مرة (46.9 مليون جنيه).

أعادت بناء الجيش من الصفر دون ديون.

كانت الأسواق المصرية مليئة بالمنتجات المحلية:

ملابس، أثاث، أجهزة كهربائية (إيديال)، مأكولات.

وكان عبد الناصر يفخر بأنه يرتدي من غزل المحلة ويستخدم الصناعة الوطنية.

التحول الاجتماعي (1952–1970)

تقارير البنك الدولي والأمم المتحدة تُشير إلى:

زيادة الرقعة الزراعية بأكثر من 15%

زيادة عدد الطلاب والشباب في التعليم بأكثر من 300%

تضاعف ملكية صغار الفلاحين من 2.1 إلى 4 ملايين فدان

تطبيق العدالة الاجتماعية وتحديد حدود دنيا وعليا للأجور

إدخال الكهرباء والمياه والمدارس والوحدات الصحية إلى القرى

توفير التأمين الصحي والاجتماعي والمعاشات لكل مواطن

خفض الأمية من 80% إلى 50% بفضل مجانية التعليم

مجانية أنجبت علماء عالميين:

أحمد زويل – مجدي يعقوب – مصطفى السيد – يحيى المشد – سعيد بدير وغيرهم.

من حائط الصواريخ إلى خطط العبور

قبيل وفاته عام 1970:

اكتمل بناء حائط الصواريخ الشهير .

تمت الموافقة على خطة «جرانيت» (العبور) التي نُفذ جزء منها في 6 أكتوبر 1973.

وصدق على الخطة 200 الدفاعية التي توقعت «ثغرة الدفرسوار» بدقة عجيبة.

كان عبد الناصر يقدّر موعد التحرير في أبريل 1971،

لكن القدر جعل تنفيذ الرؤية يتم بعد رحيله بثلاث سنوات.

إنجازات القطاع العام

بحسب تقديرات البنك الدولي:

بلغت قيمة ما بناه المصريون في عهد عبد الناصر 1400 مليار دولار (بالقيمة المحدثة).

تم إنشاء 1200 مصنع في مختلف المجالات،

وأصبحت مصر تملك أكبر قاعدة صناعية في العالم الثالث.

السد العالي اختارته الأمم المتحدة أعظم مشروع هندسي وتنموي في القرن العشرين،

إذ يعادل في حجمه بناء 17 هرمًا من طراز خوفو.

الوضع المالي والعملة

ديون مصر عام 1970: 1.8 مليار دولار فقط، معظمها ثمن أسلحة.

الجنيه المصري = 2.5 دولار أمريكي (الدولار = 40 قرش).

سعر جرام الذهب:

عيار 18 = 84 قرش

عيار 21 = 98 قرش

كانت مصر تُعيّن خريجي دفعة 1969 بالكامل،

ودخلت حرب أكتوبر وهي محكومة بآليات النظام الناصري:

القطاع العام يقود التنمية

الجيش الذي أُعيد بناؤه بعد النكسة

حائط الصواريخ على القناة

الخطط العسكرية الموضوعة منذ عهد عبد الناصر

الختام

لم يكن ما فعله جمال عبد الناصر معجزة،

بل منطق التاريخ والجغرافيا والإرادة المصرية.

امتزج موقع مصر العبقري بثرواتها وقيادة وطنية مخلصة،

فحققت في أقل من عقدين ما لم يتحقق في قرن.

لكن بعد رحيله والانقلاب في السياسات عقب 1973،

بدأت معاول الهدم تضرب الصرح الذي بناه،

لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ مصر الحديث.

المصادر

عبد الناصر كيف حكم مصر؟ – عبد الله إمام

لمصر لا لعبد الناصر – محمد حسنين هيكل

ملفات السويس – محمد حسنين هيكل

معارك ناصرية.. قراءة جديدة في تاريخنا المعاصر – عمرو صابح

النهب الثالث لمصر – سعد الدين وهبة

عبد الناصر – روبرت ستيفنس، محمد عودة

الإنسان موقف – محمود أمين العالم

مذكرات سامي شرف (ج1 – ج2)

الانهيار بعد عبد الناصر لماذا؟ – عادل حسين

ماذا حدث للمصريين – جلال أمين

تقارير الأمم المتحدة والبنك الدولي المشار إليها.