الفنان محمد فوزي وثورة 23 يوليو.
بقلم : عمرو صابح
يستغل خصوم الرئيس جمال عبد الناصر ذكرى الموسيقار والمطرب الراحل محمد فوزي فى الترويج لأكذوبة معاداته لثورة 23 يوليو 1952 ، وكراهيته للزعيم ” جمال عبد الناصر ” ، ورفض فوزي الغناء للثورة.
تقدم الطريقة التى استغل بها خصوم جمال عبد الناصر لمرض الفنان محمد فوزي مثالاً نموذجياً على كيفية تزييف التاريخ.
فى البداية تم نشر صور للفنان الراحل بعد أن أصيب بالمرض النادر الذى فشل أطباء عصره فى تشخيصه ، وكان من أثاره فقدان محمد فوزي لوزنه وإصابته بالضعف الجسمانى والهزال ، بعد ذلك تم الترويج ان المرض أصابه بسبب تأميم جمال عبد الناصر لشركته ، ثم بدأت تلك القطعان فى نشر شائعة ان السبب وراء تأميم جمال عبد الناصر لشركته ان محمد فوزي قال له .. لا !!
ورفض الغناء له أو لثورة 23 يوليو ، ثم نشرت تلك القطعان ان بعد هزيمة 5 يونيو 1967 ، لم تجد الإذاعة المصرية سوى أغنية ” بلدي أحببتك يا بلدي ” لمحمد فوزي لإذاعتها على الشعب ، وبهذا يكون جمال عبد الناصر قد قتل محمد فوزي بالتأميم ثم قتله مرة أخرى بعد وفاته بعام عندما لم يجد سوى أغنيته لكى يذيعها على الشعب بعد الهزيمة!!
قصة محبوكة ممتلئة بالتراجيديا السوداء لجلب الدموع على الموسيقار العبقرى الراحل ، ولكن الحقيقة ان محمد فوزى لم يرفض الغناء لعبد الناصر أو للثورة بل غنى للثورة العديد من الأغانى فى أعيادها ، بل انه له أغنية اسمها ” رشوا الملح ” فى عيد الثورة عام 1961 بعد تأميم شركته ، وله أغنية أخرى فى نفس العام ضد انفصال سوريا عن مصر .
بل أن الفنان محمد فوزى دخل فى خلاف علنى -تم نشره على صفحات الجرائد فى عام 1960- مع الموسيقار محمد عبد الوهاب على تلحين وغناء أغنية ” نـاصر ” التى كتبها الشاعر حسين السيد ، وهى أغنية تمجيد شخصي لجمال عبد الناصر ، وعندما لحن عبد الوهاب الأغنية وغناها ، اتهمه فوزى بالسعى نحو احتكار الأغانى الوطنية لنفسه!! وهذا رابط لأغنية ” غنوا لـ 23 يوليو عيد الثورة عيد الأحرار” ، تلحين وغناء : محمد فوزى :
وهذا رابط لأغنية “رشوا الملح ” فى الاحتفال بعيد ثورة 23 يوليو فى عام 1961 تلحين وغناء : محمد فوزى ، وغناها بعد صدور القرارات الإشتراكية :
و هذا رابط لأخر لقاء إذاعى أجرته إذاعة الشرق الأوسط مع الموسيقار والمطرب الراحل محمد فوزى قبيل وفاته بشهر ونصف ، يشكر فيه الرئيس جمال عبد الناصر والحكومة المصرية على الاهتمام بعلاجه:
وبخصوص تركة الفنان الراحل محمد فوزى ، فعقب وفاته فى 20 أكتوبر 1966 ، دبت خلافات عنيفة بين زوجاته الثلاثة، فقد حدث نزاع على تركته بين زوجته الأولى وأبناءها ، وزوجته الثانية الفنانة مديحة يسرى ، وزوجته الثالثة الفنانة كريمة والتى رافقته طيلة رحلة مرضه حتى رحيله .
ضمت تركة الموسيقار محمد فوزي شقة فاخرة في برج جاردن سيتي ، وشقة في المعمورة في الإسكندرية، وشقة ثالثة في عمارة الإيموبيليا، وكانت تحتوي على بعض المكاتب والكراسي، ودولاب ملابس يحتوي على مائتي بدلة منها حوالي 150 بدلة جديدة لم يلبسها الفقيد بسبب مرضه ، فضلاً عن أرصدته المالية بالبنوك.
بدأت المشاكل تظهر بعدما فوجئ أبناء الفنان محمد فوزي عند فتح دولاب ملابس والدهم أنه خاوي الوفاض إلا من بضع بدل قديمة جدًا يرجع عمرها إلى أكثر من عشر سنوات مضت ، وكان كل منهم يأمل بالفوز ببعض ملابس والده أو قطع القماش التي تركها، وصرخ أكبرهم محتجًا على هذه المفاجأة.
كما طالب أولاده من زوجته الأولى بساعة والدهم الروليكس وكان يقدر ثمنها بمئة جنيه بأسعار ستينيات القرن الماضي ، وكان الفقيد قد وعد ابنه الأكبر باهدائها له ولكن الفنانة كريمة تمسكت بها كذكرى من زوجها كما تمسكت ببعض ملابسه، التي ارتداها في مناسبات مختلفة أثناء حياتهما الزوجية.
ورأت الفنانة هدى سلطان أن تنسحب من هذا الجو المملوء بتصرفات تمزق سمعة أخيها وتقلق روحه في مثواه ، فقررت أن تعود إلى منزلها وتستقبل المعزين فيه.
بعد عشرة أيام من وفاة الموسيقار محمد فوزى سافرت مديحة يسري إلى الإسكندرية للعمل في أحد الأفلام ، وشاء القدر حسب روايتها التى شككت فيها زوجته الثالثة الفنانة كريمة ، أن يكون مكان التصوير في المعمورة وبجوار الفيلا التي كان يستأجر فيها محمد فوزي شقته حيث يقضي إجازة الصيف.
وكانت مفاجأة لها عندما رأت سيارة نقل أمام الفيلا ، ورأت باب الفيلا مفتوحا والعمال ينقلون بعض من الأثاث إلى السيارة ، وعرفت مديحة يسري أن أحد أقارب الفنانة كريمة زوجة الموسيقار محمد فوزى الثالثة ، هو الذي أمر بنقل محتويات الشقة إإلى مكان مجهول، وثارت مديحة واتصلت بالشرطة التي تدخلت في الموضوع ، وأعادت الأثاث إلى الشقة وأغلقتها ووضعت الشقة تحت الحراسة حتى تتم إجراءات اعلام الوراثة لجميع الورثة.
واشتدت الخلافات بين الورثة قبل مرور أربعين يومًا على وفاة محمد فوزي حيث طلبت زوجته كريمة من المحامي محمود لطفي أن يرفع دعوى في حق أولاد زوجها حول استيلاءهم على منقولات شقة برج جاردن سيتي بينما اتهمها أبناء محمد فوزى من زوجته الأولى بالاستيلاء على ملابس والدهم، وحاول بعض أصدقاء الفقيد مثل الفنان فريد شوقي والموسيقار محمد عبدالوهاب التدخل لإصلاح وجهات النظر بين الورثة وتهدئة النفوس التي كانت مشحونة بمشاعر عنيفة متبادلة ولكن تعذر الصلح بينهم .
– قرار تأميم شركة ” مصر فون ” المملوكة للفنان محمد فوزي حدث خلال تأميمات يوليو 1961 بعدما قرر الرئيس عبد الناصر انتهاج الطريق الاشتراكى لبناء وتنمية مصر ، وشملت تأميمات يوليو 1961 مئات الشركات الخاصة ولم تكن خاصة بشركة الفنان محمد فوزي فقط ، بل كانت هذه هى السياسة الاقتصادية للدولة خلال تلك الحقبة التاريخية.
– عندما تم تأميم شركة مصر فون عام 1961 جاء في قرار التأميم بالمادة الثالثة منه : { تؤدي الدولة قيمة ما آل إليها من أموال المنشآت المشار إليها بموجب سندات اسمية على الدولة لمدة خمسة عشر سنة بفائدة 4% سنوياً، وتكون السندات قابلة للتداول بالبورصة …} ، ومعنى ذلك أن الشركة المؤممة أصبحت دينا على الحكومة بموجب سندات بقيمة الشركة ويجوز لصاحبها مالك السندات أن يبيع السندات في البورصة أو يتصرف في جزء منها.
– الفنان محمد فوزي حصل على قيمة أسهم شركة مصر فون التي كان يديرها وكانت ملكية أسهم شركة مصر فون كالتالي :
– 50% من الأسهم مملوكة لشركة فيليبس
– 25% من الأسهم مملوكة للفنان محمد فوزى.
– 25% من الأسهم مملوكة للفنانة أم كلثوم.
– أم كلثوم كانت وطيدة الصلة بالرئيس جمال عبد الناصر ولكن هذا لم يجعله يتغاضى عن تطبيق القانون عليها عندما تم تأميم شركة مصر فون التى كانت أم كلثوم تمتلك ربع أسهمها.
– تم تعيين الفنان محمد فوزي مديرا لشركة مصر فون التي تغير اسمها بعد التأميم إلى شركة صوت القاهرة.
– قيمة الأسهم ردتها الدولة على 15 سنة وبفائدة سنوية 4% لأصحاب الأسهم بالشركة.
– شركة مصر فون كان رأس مالها 10 ألاف جنيه كما كان من ضمن ملاك أسهمها ، مالك أجنبي هو شركة فيليبس التى كانت تمتلك نصف أسهم الشركة لذا انطبقت عليها شروط التأميم.
– شركة صوت الفن التى كان يمتلكها عبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب ، كان رأس مالها 5 ألاف جنيه ، كما انه لم يكن هناك شريك أجنبي معهما لكى يتم تأميمها .
– فى عام 1965 أصيب الفنان محمد فوزى بمرض سرطان العظام الخطير المعروف باسم ( Osteoclastoma ) ، وعندما علم الرئيس جمال عبد الناصر بمرض الفنان محمد فوزي وبفشل محاولات علاجه فى مصر ، أمر بعلاجه في الخارج على نفقة الدولة وصدر القرار في 9 ديسمبر عام 1965 ولكن العلاج فى الخارج فشل أيضاً ، وتوفى الفنان الكبير محمد فوزى متأثراً بمرضه فى 20 أكتوبر 1966 ، وقد أمر الرئيس عبد الناصر بإقامة جنازة رسمية له وأوفد الدكتور عبد القادر حاتم نائب رئيس الوزراء ووزير الثقافة نائباً عنه للمشاركة فى تشييع الفقيد إلى مثواه الأخير.
هذه هى الحقيقة فى قصة الموسيقار والمطرب العبقرى الراحل مع ثورة 23 يوليو ، ولكن من أدمنوا تزوير التاريخ من خصوم جمال عبد الناصر وعهده وثورته استغلوا مرض الفنان الراحل ومحنته ووفاته من أجل المتاجرة بسيرة محمد فوزي لتشويه وقائع التاريخ. رحم الله الفنان العبقرى محمد فوزى.