عيد الفلاح 72.. تفاصيل الزيارة التاريخية للزعيم جمال عبد الناصر لمدينة إدكو بالبحيرة

عندما نتحدث عن أهم الأحداث فى تاريخ محافظة البحيرة، لابد أن نذكر بكل فخر زيارة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر لمركز إدكو عام 1959، وذلك لتوزيع الأراضي الزراعية على صغار الفلاحين.

ويأتى ذلك بالتزامن مع ذكرى “عيد الفلاح” والذى يوافق يوم إصدار قانون الإصلاح الزراعى وإعادة توزيع ملكية الأراضى الزراعية من يد الاقطاع إلى صغار الفلاحين وإنشاء جمعيات الإصلاح الزراعى والهيئة العامة للإصلاح الزراعى، فى خطوة هامة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية لكافة فئات الشعب المصري.

كما يتواكب عيد الفلاح مع وقفة الزعيم أحمد عرابى عام 1881 أمام الخديوى توفيق ومقولته المعروفة ” لقد ولدتنا أمهاتنا أحرارًا ولم نخلق تراثا أو عقارا ولن نستبعد بعد اليوم.”

ويظل يوم 20 سبتمبر يوما مشهودا فى تاريخ مدينة إدكو بالبحيرة، حيث قام الرئيس جمال عبد الناصر  بزيارة المدينة قادما من الإسكندرية.

واصطف الآلاف من أهالي محافظة البحيرة على طول الطريق من الإسكندرية إلى إدكو من أجل تحية الرئيس الذى استقل سيارة مكشوفة بمرافقة المشير عبد الحكيم عامر وعبد اللطيف البغدادي وأنور السادات نواب الرئيس.

وفى سرادق كبير زين بالزهور وأعلام الجمهورية المتحدة أقامته هيئة الإصلاح الزراعى وزع الرئيس جمال عبد الناصر صكوك ملكية الأراضي الزراعية على صغار الفلاحين بواقع 5أفدنه لكافة المستحقين وسط هتافات مدوية من الفلاحين لثورة يوليو وقائدها.

ويقول الباحث التاريخى هاني مهنى طه أحد أبناء مدينة إدكو، إن الظروف الطبيعية فرضت نفسها على مدينة إدكو التي يحدها من الشمال البحر المتوسط ومن الجنوب بحيرة إدكو ومن الشرق والغرب الملاحات بالإضافة إلى المساحات الواسعة من الرمال والكثبان الرملية من ساحل البحر حتى الكتلة السكانية لإدكو القديمة، مضيفا أنه بطبيعة الحال اشتغل أهل إدكو بالصيد في البحر والبحيرة بالإضافة إلى بعض الزراعات كالنخيل والعنب والتين والطماطم والبطيخ والتي تعتمد على المياه من باطن الأرض أو ما تسمى بالزراعة البعلية ونظرا لبُعد إدكو عن مصدر دائم للري فقد جاءت الفرصة لأهلها مع تجفيف بعض المساحات من بحيرة إدكو وتحويلها إلى أراض زراعية.

وأشار الباحث التاريخى هانى مهنى، إلى أن فكرة  تجفيف بعض المساحات من بحيرة إدكو لم تكن وليدة ثورة 1952 فقد كانت خطة الحكومة المصرية منذ أواخر القرن التاسع عشر في تجفيف أجزاء من بحيرة إدكو، حيث نشرت جريدة المؤيد في عددها الصادر 8 سبتمبر 1897 نقلا عن جريدة البصير عزم الحكومة على نزح بحيرة إدكو.

وتابع: جاء في جريدة البلاغ في عددها الصادر 18 نوفمبر 1948 إلقاء رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي لخطاب العرش في افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة، وذلك في حضور الأمير محمد علي نائبا عن الملك فاروق، وقد جاء في الخطاب شروع الحكومة في تجفيف وإصلاح مساحات واسعة بمنطقة بحيرتي مريوط وإدكو.

وعن الخلفيات التاريخية لزيارة الرئيس جمال عبد الناصر لمدينة إدكو، قال الباحث هانى مهنى طه إذا جئنا إلى توزيع أراضي الإصلاح الزراعي على أهالي إدكو يوم 20 سبتمبر 1959 فمن الضروري العودة إلى 31 مارس 1953 حيث قام بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة بزيارة إدكو ورشيد في إطار الاحتفال بانتصار أهالى رشيد على حملة فريزر عام 1807 م.. وقد تشكل الوفد من عبد اللطيف بغدادي وأنور السادات وكمال الدين حسين وحسن إبراهيم.. وقد تقدم نائب إدكو وقتئذ محمد على قاسم بمذكرة مطبوعة إلى وفد مجلس قيادة الثورة لرفعها إلى اللواء أركان حرب محمد نجيب، وجاءت المذكرة المطبوعة والتي تقع في 12 صفحة تحت عنوان (إدكو وأهم المشروعات الاقتصادية للنهوض بها)، مضيفا أن النائب محمد على قاسم قد عرض في المذكرة أهم المشاكل التي تعاني منها إدكو وطرق حلها.. في صناعة النسيج والثروة السمكية والري والزراعة ونظام توزيع الأراضي المستصلحة والشئون الصحية. وختم قاسم المذكرة بقوله: لم يحرم بلد كما حرمت إدكو، ولم يظلم بلد كما ظلمت إدكو، وأي بلد ضاق بأهله كما تضيق إدكو .. وأي بلد يشرد أهله كما يشرد أهالى إدكو .. إنا لنضع مصير أربعين ألفا من أهالي إدكو وديعة بين أيدي أمينة، ونحن واثقون من نصر الله وتأييده.

وأوضح مهنى إننا يمكنا التعرف أكثر عن أهمية الأراضي التي تم توزيعها على الأهالي بعد ذلك بما جاء في صحف تلك الفترة – وما قبل الثورة-  حيث طالب الأهالي كما جاء في جريدة البلاغ في عددها الصادر 18 أكتوبر1949:

“تقدم أهالي بلدة إدكو بالتماس إلى وزارة الشئون الاجتماعية يطلبون فيه توزيع الجزء المجفف من بحيرة إدكو على صغار المزارعين منهم، ومساحة هذا الجزء تبلغ ثلاثة آلاف فدان.. وقد اهتمت الوزارة بهذا الأمر وأوفدت  محمد رياض الغنيمي المفتش بمصلحة الفلاح لزيارة هذه المنطقة تمهيدا لبحث ملتمس الأهلين.. وقد أعد تقريرا لرفعه إلى المسئولين بالوزارة، وقد تبين من دراسة هذه المنطقة أن عدد السكان يتزايد فيها بنسبة كبيرة، فبينما كان عددهم في سنة 1937 يبلغ 20.000 نسمة وصل إلى 31.000 نسمة في سنة 1947، وذلك يرجع إلى زيادة نسبة المواليد وقلة الوفيات لتحسن الحالة الصحية. وقد أدت هذه الزيادة في السكان إلى نقص في نصيب كل فرد من الدخل نظرا لأن موارد هذه المنطقة محدودة وهي تنحصر في صيد الأسماك ونسج الأقمشة اليدوية واستخراج الملح، وقد تأثر مستوى المعيشة بعامل زيادة السكان، كما أن تجفيف جزء من البحيرة تقص من دخل بعض الأهالي من صيد السمك.

وأشار المحقق التاريخى إلى أن جريدة المصري نشرت في عددها الصادر 17 يناير 1953:ان مصلحة الأملاك قد انتهت من تجفيف نحو ثلاثة آلاف فدان من بحيرة إدكو ملاصقة لبلدة إدكو، وقد أعد هذا المشروع أصلا لإنقاذ أهالي هذه البلدة من الضيق الاقتصادي الذي يعانونه إذ تنعدم سبل العيش بالنسبة لعدد كبير من سكان هذا الاقليم بعد أن تدهورت صناعة النسيج اليدوي عقب الحرب وساءت حالة المصايد في البحيرة بسبب إهمال العناية بها ونمو النباتات والحشائش الضارة واحتكار مساحات أخرى لهواة صيد (البط) فضلا عن تجفيف هذا الجزء الكبير منها. وقد قام وزير الاقتصاد الوطني في سنة 1951 بزيارة هذه المنطقة واطلع على سوء حالة المعيشة هناك واتضح له أن المساحة المجففة لن تكفي لتفريج الأزمة وأنه يجب تجفيف خمسة آلاف فدان أخرى ولكن مجلس الوزراء قرر في الشهر الماضي توزيع الثلاثة الآلاف فدان على خريجي كليات الزراعة والمعاهد الزراعية ولاستبدال المعاشات وخصص ألف فدان لتوزع على المعدمين. وقد تأثر أهالي إدكو المعدمين بهذا القرار فلو أن المساحة المجففة وزعت كلها عليهم لما خص الفرد منهم أكثر من قيراطين اثنين.

وأشار مهنى أن أهالى ادكو قد كتبوا إلى المسئولين مذكرة وافية جاء فيها أن أهم أساس يقوم عليه مشروع توزيع الأراضي على أرباب المعاشات وخريجي المعاهد الزراعية هو تعمير المناطق المستصلحة والتي تقل فيها الأيدي العاملة ولكن في منطقة إدكو تكثر الأيدي العاملة إلى درجة التعطل ولا يوجد شبر واحد من الأراضي الزراعية ويرون أن العدالة والقانون يحتمان الإبقاء على المساحة المجففة من البحيرة لأهالي الناحية الفقراء وسيوفر هذا على الحكومة مبالغ طائلة ستنفقها في إعداد مساكن للمعدمين وخريجي المعاهد الزراعية،  وأضافو أن أهالي إدكو يقررون أنهم يكتفون بمساكنهم الحالية في بلدتهم الملاصقة، وهؤلاء الأهالي البالغ عددهم نحو أربعين ألف نسمة يرجون الرئيس محمد نجيب أن يحقق مطلبهم إنقاذا للبلدة من الضائقة التي تعانيها الآن.

وعن زيارة التاريخية للزعيم جمال عبد الناصر لمدينة إدكو قال هانى مهنى طه إن هذه الزيارة غيرت مسار هذه المنطقة بعد توزيع الأراضي الزراعية على صغار الفلاحين ، مضيفا أنه تم إقامة سرادق كبير  لاستقبال الضيوف بأرض الإصلاح الزراعى  وسط حفاوة بالغة لرجال ثورة يوليو وعلى رأسهم الرئيس جمال عبد الناصر.

وتابع من المشاهد اللافتة أثناء احتفال توزيع الأراضي على المنتفعين قيام محمد المدخوم أحد المزارعين  اللذين تحدثوا فى الاحتفال  بصفته سكرتير جمعية الاصلاح الزراعي بإدكو، وقال المدخوم يومها مقولته المأثورة” لقد أصبح الفلاح اليوم  مالكا لأرضه بعد أن كان معدما وأجيرا، ثم رفع عمامته، مما أثار إعجاب الحاضرين لاعتزازه بنفسه.

يذكر أن قانون الإصلاح الزراعى قد أصدر عام 1952، أى بعد شهرين فقط من قيام ثورة يوليو وأعاد هذا القانون رسم خريطة الملكية الزراعية بإعادة توزيع الأراضي التى تمت مصادرتها على صغار الفلاحين، وإنشاء جمعيات الإصلاح الزراعى والهيئة العامة للإصلاح الزراعى لتتبدل أحوال الفلاحين، ومنذ هذا التاريخ تحتفل مصر والقطاع الزراعى بعيد الفلاح.

Scroll to Top