الزراعة المصرية بين العهد الملكي والعهد الناصري

الزراعة المصرية بين العهد الملكي والعهد الناصري.

بقلم : عمرو صابح

يعود تاريخ الإقطاع في مصر، إلى ثلاثينيات القرن التاسع عشر عندما أعاد محمد على توزيع الأراضي التي استولى عليها بقرار شخصي بعد استتباب حكم مصر له، وزّعها على أقاربه، وكبار “الأعيان”، والموظفين، وضباط الوحدات الكردية، والجركسية والتركية. وزع، خلال مدة قصيرة، مئات الألوف من الأفدنة، مع من كان يقطنها من الفلاحين. ومن ثم صار ملاك هذه الأرض يدفعون ضريبة العُشر منذ عام 1854. وهكذا أنشأ محمد علي طبقة جديدة من النبلاء الإقطاعيين، الذين أصبحوا سند الأسرة الحاكمة الجديدة.

كان الخديوي إسماعيل مثلاً، يملك، يوم توليه الحكم، 15 ألف فدان. وأصبح، بعد 17 سنه، يملك 590 ألف فدان استولت عليها الحكومة بعد عزله. وكان الملك فؤاد يملك عند توليه الحكم عام1917، ثمانمائة فدان، بلغت يوم وفاته، عام 1936، حوالي 28 ألف فدان.

وهكذا اتسعت ملكية هذه الطبقة المُستغلة . وزادت سيطرتها على الأرض، حتى أن 27 مالكاً، من أسرة محمد علي، كانوا يمتلكون حوالي 143ألف فدان، بخلاف أراضي الأوقاف. أما الملك، والأسرة والأوقاف، والأصهار، فكانوا يملكون عام 1939، حوالي نصف مليون فدان، وكان 13 ألف مالك يملكون حوالي مليونين ونصف مليون فدان، من إجمالي الأرض الزراعية البالغة ستة ملايين فدان.

ويوضح الإحصاء التالي صورة لما كان عليه توزيع الأرض في مصر قبل الثورة صيف عام 1952:

كانت مساحة الأرض المنزرعة 5.962.662 فداناً، وكان مجموع ملاكها 2.760.661 مالكاً.

أما بالنسبة إلى الملكيات الصغيرة فكانت كالتالي:

1.459.167 مالكاً يملك كل منهم لغاية نصف فدان مجموع ملكياتهم 413.551 فداناً.

522.162 مالكاً يملك كل منهم أكثر من نصف فدان ومجموع ملكياتهم 356.695 فداناً.

327.612 مالكاً يملك كل منهم أكثر من فدان إلى فدانين ومجموع ملكياتهم 449.186 فداناً.

153.293 مالكاً يملك كل منهم أكثر من اثنين لغاية ثلاث أفدنة ومجموع ملكياتهم 354.855 فداناً.

81.366 مالكاً يملك كل منهم أكثر من ثلاثة لغاية أربع أفدنة ومجموع ملكياتهم 247.017 فداناً.

56.589 مالكاً يملك كل منهم أكثر من أربعة لغاية خمس أفدنة ومجموع ملكياتهم 247.017 فداناً.

ومعنى ذلك أن 280 مالكاً كانوا يملكون 583.400 فداناً ومجموع ملكياتهم 7% من الأراضي المنزرعة.

وأن 2.308.951 مالكاً يملك كل منهم أكثر من فدانين ومجموع ملكياتهم 1.230.062 أي أن 84% من الملاك يملكون 21% من الأرض.

وأن 2.600.199 مالكاً لا يملك كل منهم أكثر من خمس أفدنة.

ومجموع ملكياتهم 2.101.276 فداناً أي أن 94% من الملاك يملكون 35% من الأرض.

وإذا نظرنا إلى الملكيات الكبرى فإننا نجد أن

61 مالكاً كان يملك كل منهم أكثر من 2000 فداناً ومجموع ملكياتهم 277.208 فداناً.

28 مالكاً كان يملك كل منهم أكثر من 1500 فداناً إلى 2000 فداناً ومجموع ملكياتهم 97.454 فداناً.

92 مالكاً كان يملك كل منهم أكثر من 800 فداناً إلى 1000 فداناً ومجموع ملكياتهم 86.483 فداناً.

ومعنى ذلك أن 280 مالكاً كانوا يملكون 583.400 فداناً.

أي أن 1 /10.000 من الملاك يملكون حوالي 10% من الأرض.

وإذا نظرنا إلى الملكيات التي تزيد على 200 فدان فإننا نجد أن

2215 مالكاً يملكون 1.208.493 فداناً.

أي أن 8/10.000 من الملاك يملكون 19% من الأرض.

وكانت هذه الطبقة قد ثبتت، في نفوس الفلاحين، أن ملكيتهم تعتبر حقاً “ربانياً”

تولى الملك أحمد فؤاد حكم مصر وهو مديون ولكنه استطاع خلال سنوات حكمه التى امتدت من 1917 حتى 1936 أن يكون ثروة بلغت 94 ألفا و300 فدان من أجود الأراضي الزراعية فى مصر ، منح ابنه الملك فاروق منها 15 ألفا و400 فدان .

استطاع الملك فاروق خلال فترة حكمه التى امتدت من 1936 حتى 1952 أن يضاعف ممتلكاته من أراضي مصر الزراعية حتى أصبح مالكاً لـ48 ألف فدان من أجود الأراضى الزراعية المصرية ، كما قام الملك فاروق بالاستيلاء على الأوقاف التى بلغت 93 ألف فدان من أخصب أراضي الأوقاف وضمهم لملكيته الخاصة.

بعد شهر ونصف من قيام ثورة 23 يوليو ، صدر قانون الإصلاح الزراعى الأول فى 9 سبتمبر 1952

يتكون القانون من 6 أبواب تشمل 40 مادة ، حددت المادة الأولى الحد الأقصى للملكية الزراعية بـ 200 فدان للفرد، وسمحت المادة الرابعة للمالك أن يهب أولاده مائة فدان.

سمح القانون للملاك ببيع أراضيهم الزائدة عن الحد الأقصى لمن يريدون، وأعطى لهم الحق في تجنب أراضي الآخرين المبيعة.

كما قرر القانون صرف تعويضات للملاك، فلقد قدرت أثمان الأراضي بعشرة أمثال قيمتها الإيجارية، وأضيف إليها الملكيات والتجهيزات الأخرى (الأشجار والآلات) القائمة على الأرض بقيم عالية.

نظم القانون صرف التعويضات بسحب مستندات على الحكومة تسدد على مدى ثلاثين عاما .

قرر القانون توزيع الأراضي الزائدة على صغار الفلاحين بواقع (2 إلى 5 أفدنة)، على أن يسددوا ثمن هذه الأراضي على أقساط لمدة ثلاثين عاما ، وبفائدة 3% سنويا، يضاف إليها 1.5% من الثمن الكلي للأرض؛ وفاء للموجودات التي كانت على الأرض (الأشجار الآلات… الخ).

تناول الباب الثاني من القانون تنظيم الجمعيات التعاونية في الأراضي الموزعة.

أما الباب الرابع فقد حدد عددا من الإجراءات لمنع تفتيت الأراضي الموزعة، كما حدد ضريبة جديدة للأرض.

تناول الفصل الخامس العلاقة بين الملاك والمستأجرين.

أما الفصل السادس والأخير فيتعلق بوضع حد أدنى لأجور عمال الزراعة، وبإعطائهم الحق في تنظيم نقاباتهم الزراعية.

بلغ مجموع الأراضي التي يطبق عليها قانون سبتمبر سنة 1952 مساحة 653,736 ألف فدان تنتمي إلى 1789 مالكا كبيرا، ولكن الأرض التي طبق عليها القانون في واقع الأمر بلغت 372,305 آلاف فدان، أما البقية وهي حوالي النصف فقد قام الملاك ببيعها بأساليبهم الخاصة حتى أكتوبر سنة 1953، حينما ألغت الحكومة النص الذي كان يتيح للملاك بيعها بأساليبهم .

صدر قانون الإصلاح الزراعى الثانى عام 1961، وهو القانون ( رقم 127 لسنة 1380هـ=1961م)، وأهم ما في هذا القانون ، هو جعل الحد الأقصى لملكية الفرد 100 فدان، يضاف إليها 50 فدانا لبقية الأسرة (الأولاد) للانتفاع فقط، وتحريم أي مبيعات للأرض من المالك لأبنائه، كما ألغى القانون الاستثناءات السابقة الخاصة بالأراضي قليلة الخصوبة.

وتقدر الأراضي التي آلت إلى “الإصلاح الزراعي” نتيجة هذا القانون بـ214,132 ألف فدان.

ثم صدر قانون الإصلاح الزراعى الثالث عام 1969 ،وهو القانون رقم 50 لسنة 1969 والذي جعل الحد الأقصى لملكية الفرد 50 فدانا.

تقول الإحصائيات الرسمية بأنه حتى سنة 1969 ، تم توزيع 989,184 ألف فدان على الفلاحين ، منها 775,018 ألف فدان تم الاستيلاء عليها وفقا لقوانين الإصلاح الزراعي، ، و184,411 ألف فدان كانت تتبع بعض المؤسسات المختلف، أما الباقي وقدره 29,755 ألف فدان ، كان حصيلة أراضي لطرح لنيل، ووفقا لنفس هذه الإحصائيات الرسمية ، فقد وزعت تلك الأراضي على 325,670 ألف أسرة،

كما تم إنشاء الجمعيات الزراعية فى كل قرى مصر ، وقامت الدولة عبر هذه الجمعيات بعمل نظام تخطيط شامل للزراعة على امتداد الجمهورية فتولت الدولة تحديد أنواع المحاصيل المزروعة وقدمت للفلاحين البذور والمبيدات و الأسمدة ، كما قامت بشراء المحاصيل من الفلاحين .

كان تفتيت الملكية الزراعية فى ظل التخطيط الشامل للزراعة عبر الدورة الزراعية ، يقضى على مشكلة البطالة ، ويرفع المستوى الاقتصادى للفلاح المصرى فى إطار موازى لخطة الدولة الاقتصادية بتحقيق اكتفاء ذاتى من المحاصيل الزراعية.

و كان الأهم و الأعظم من كل ذلك هو التغير الذى طرأ على أوضاع الفلاح المصرى وأسرته ، حيث دخلت المدارس والوحدات الصحية إلى القرى ، وارتفعت نسبة الوعى و معدلات التعليم وتحسنت الأوضاع الصحية والاقتصادية فى الريف بفضل الثورة .

وكان أضخم وأهم مشروعات الثورة ، وهو السد العالى من أجل الزراعة فى المقام الأول ، حيث وفر كميات المياه اللازمة لتحويل رى الحياض إلى رى دائم ، وبفضله تم استصلاح ما يقرب من 2 مليون فدان .

وقد استطاعت مصر فى عهد عبد الناصر ، أن تحقق الاكتفاء الذاتى من كل محاصيلها الزراعية ماعدا القمح الذى حققت منه 80% من احتياجاتها .

وفى عام 1969 وصل إنتاج مصر من القطن إلى 10 ملايين و800 ألف قنطار ، وهو أعلى رقم لإنتاج محصول القطن فى تاريخ الزراعة المصرية على الإطلاق .

وصلت المساحة المزروعة أرز فى مصر إلى ما يزيد على مليون فدان ، وهى أعلى مساحة زرعت فى تاريخ مصر .

كما تم تجربة زراعة أنواع جديدة من القمح كالقمح المكسيكى ، والقمح جيزة 155 .

فى عهد عبد الناصر زادت مساحة الأرض الزراعية بأكثر من 15% .

ولأول مرة تسبق الزيادة فى رقعة الأرض الزراعية الزيادة فى عدد السكان .

زادت مساحة الأراضى المملوكة لفئة صغار الفلاحين بما يقارب الضعف ، من 2,1 مليون فدان إلى حوالى 4 مليون فدان .

لقد كان جمال عبد الناصر أول حاكم مصرى منذ عهد الفراعنة يوسع رقعة وادى النيل.

تم بناء السد العالى أعظم مشروع هندسى وتنموى فى القرن العشرين باختيار الأمم المتحدة ، والذى يعادل فى بناؤه 17 هرم من طراز هرم خوفو ، والذى كان من ضمن أهداف بناءه تحويل الزراعة فى مصر من نظام ري الحياض إلى نظام الري الدائم ، وزيادة مساحة الأراضي المزروعة والمستصلحة ، وهو ما تحقق بعد إتمام بناء السد العالي فى العام الأخير من حياة الرئيس جمال عبد الناصر.

المصادر:

– الفلاحون : الدكتور الأب هنري عيروط اليسوعي

– فاروق وسقوط الملكية فى مصر 1936-1952» للدكتورة لطيفة سالم

– تقرير البنك الدولى رقم [870 – أ] عن مصر الصادر فى واشنطن بتاريخ 5 يناير 1976 بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر بخمس سنوات و4 أشهر.

– كتاب ( الانهيار بعد عبد الناصر لماذا ؟ ): عادل حسين.

– تجربة عثمان : عبد الله امام

– مستقبل الزراعة فى مصر : د.منصور عبد الفتاح

– شهادة مجدى حسنين فى كتاب ” شهود يوليو ” : أحمد حمروش

– مذكرات سيد مرعى – الجزء الثانى

Scroll to Top